قال تعالى :
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (القصص:38)
يخاطب فرعون وجهاء قومه ، أنه لا يعرف معبوداً لهم غيره ، فينادي هامان طالباً منه أن يبني له من الطين المحروق و هو القرميد بناءً شاهقاً ، لعله يرى إله موسى...
تشير هذه الآية إلى معجزات عديدة منها:
1. تأليه فرعون نفسه : في قوله مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي و الأبحاث الأثرية التي قامت حول الحضارة المصرية القديمة تؤكد أن الفراعنة منذ الأسرة الرابعة كانوا يصرحون ببنوتهم للإله رع الذي يمثل إله الشمس والذي كان يعبدها قدماء المصريين، بل إن اسم رع دخل في ألقاب الفراعنة ، مثل (رع نب ) أي الرب الذهبي ولعل أوضح دليل على تأليه الفراعنة لأنفسهم كما يقول (بريستد ) عالم الآثار، و التي حفظتها نصوص الأهرام هي أنشودة للشمس تردد فيها هوية الملك بإله الشمس ، إن هذه الأنشودة تخاطب مصر ، في تعداد طويل و رائع للمنافع التي تستمتع بها ، تحت حماية و سيادة إله الشمس ، فعلى ذلك يمُنح فرعون مصر المنافع نفسها ، ولهذا يجب أن يتسلم نفس الهبات من مصر ، و لذا الأنشودة بأكملها تعاد بوضع اسم فرعون أينما يجيء اسم رع أو حورس في الأنشودة الأصلية[1]
2. الإعجاز الثاني هو استعمال الفراعنة الآجرّ في بناء الصروح : فقد طلب فرعون من هامان أن يبني له من الطين المحروق ( الآجر ) صرحاً ، و هذا يعتبر من الإعجاز التاريخي للقرآن الكريم فقد ظل الاعتقاد السائد عند المؤرخين أن الآجر لم يظهر في مصر القديمة قبل العصر الروماني ، وذلك حسب رأي المؤرخين[2] والذي يرى في ذلك إشكالاً في أن الآيات السابقة التي تبين طلب فرعون من هامان أن يبني له صرحاً من الآجر أو الطين المحروق وظل هذا هو رأي المؤرخين إلى أن عثر عالم الآثار بتري على كمية من الآجر المحروق بنيت به قبور وأقيمت به بعضاً من أسس المنشآت ، ترجع إلى عصور الفراعنة رعمسيس الثاني و مرنبتاح وسيتي الثاني من الأسرة التاسعة عشر (1308 - 1184 ق. م ) وكان عثوره عليها في : موقع أثري غير بعيد من (بي رعمسيس أو قنطير ) عاصمة هؤلاء الفراعنة في شرق الدلتا .[3]
3. أما الإعجاز الثالث هو الإشارة إلى أحد أعوان فرعون باسمه " هامان "
ذكر الدكتور موريس بوكاي ما نصه :[4]
(يذكر القرآن الكريم شخصاً باسم هامان هو من حاشية فرعون ، و قد طلب إليه هذا الأخير أن يبني صرحاً عالياً يسمح له ، كما يقول ساخراً من موسى ، أن يبلغ رب عقيدته .
وأردت أن أعرف إن كان هذا الاسم يتصل باسم هيروغليفي من المحتمل أنه محفوظ في وثيقة من وثائق العصر الفرعوني، ولم أكن لأرضى بإجابة عن ذلك إلا إذا كان مصدرها رجلاً حجة فيما يخص اللغة الهيروغليفية وهو يعرف اللغة العربية الفصحى بشكل جيد، فطرحت السؤال على عالم المصريات Egyptologue و هو فرنسي يتوافر فيه الشرطان المذكوران تماماً .
لقد كتبت أمامه اسم العلم العربي (أي هامان) ولكنني أحجمت عن إخبار مخاطبي بحقيقة النص المعني واكتفيت بإخباره أن هذا النص يعود تاريخه بشكل لا يقبل النقض إلى القرن السابع الميلادي .
وكان جوابه الأول أن هذا الأصل مستحيل ، لأنه لا يمكن وجود نص يحتوي على اسم علم من اللغة الهيروغليفية وله جرس هيروغليفي و يعود إلى القرن السابع الميلادي و هو غير معروف لحد الآن و السبب أن اللغة الهيروغليفية نسيت منذ زمن بعيد جداً.
بيد أنه نصحني بمراجعة ) معجم أسماء الأشخاص في الإمبراطورية الجديدة
Dictionary of Personal names of the New و البحث فيه إن كان هذا الاسم الذي يمثل عندي الهيروغليفية موجوداً فيه حقاً .
لقد كان يُفترض ذلك ، و عند البحث وجدته مسطوراً في هذا المعجم تماماً كما توقعته ، و يا للمفاجأة !! ..
ها أنا فضلاً عن ذلك أجد أن مهنته كما عُبر عنها باللغة الألمانية (رئيس عمال المقالع) ولكن دون إشارة إلى تاريخ الكتابة إلا أنها تعود إلى الإمبراطورية التي يقع فيه زمن موسى ، و تشير المهنة المذكورة في الكتابة إلى أن المذكور كان مهتماً بالبناء مما يدعو إلى التفكير بالمقاربة التي يمكن إجراؤها بين الأمر الذي أصدره " فرعون " في القرآن و بين هذا التحديد في الكتابة[5] قال تعالى :
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (القصص:38).
بقلم فراس نور الحق
المصدر :
كتاب القرآن و العلم المعاصر الدكتور موريس بوكاي
[1] تطور الفكر و الدين في مصر القديمة بريستد ص185.[2] مثل الدكتور عبد المنعم أبو بكر في كتابه الصناعات ص 485.[3] كتاب الحضارة المصرية تأليف محمد بيومي مهران، ج3 ص429.[4] القرآن و العلم المعاصر للدكتور موريس بوكاي [5] كتاب القرآن و العلم المعاصر الدكتور موريس بوكاي ص90 ،91 دار ملهم . |