عبد الحميد بن محمد المصطفى بن المكي بن محمد كحّول بن الحاج علي النوري بن
محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات بن عبد الرحمن بن باديس الصنهاجي.
ولد بمدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري، يوم الجمعة الموافق لـ 4 ديسمبر 1889 م
ان عبد الحميد الابن الأكبر لوالديه، فأمه هي: السيدة زهيرة بنت محمد من أسرة مشهور بقسنطينة، وعائلة "ابن جلّول من قبيلة "بني معاف" المشهورة في جبال الأوراس، انتقل أحد أفرادها إلى قسنطينة في عهد الأتراك العثمانيين وهناك تزوج أميرة تركية هي جدة الأسرة (ابن جلول). ولنسب هذه المرأة العريق، تزوجها محمد بن مصطفى بن باديس (متوفى 1951) والد عبد الحميد
ختم عبد الحميد بن باديس حفظ القرآن وهو ابن ثلاث عشرة سنة، ثم تتلمذ على الشيخ حمدان الونيسي،
وهو من أوائل الشيوخ الذين كان لهم أثر طيب في اتجاهه الديني، ولا ينسى
ابن باديس أبداً وصية هذا الشيخ له: "اقرأ العلم للعلم لا للوظيفة"، بل أخذ
عليه عهداً ألا يقرب الوظائف الحكومية عند فرنسا
خصية ابن باديس شخصية غنية ثرية ومن الصعوبة في حيز ضيق من الكتابة
الإلمام بكل أبعادها وآثارها؛ فهو مجدد ومصلح يدعو إلى نهضة المسلمين ويعلم
كيف تكون النهضة. يقول«' إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله
ورسوله إذا كانت لهم قوّة، وإذا كانت لهم جماعة منظّمة تفكّر وتدبّر
وتتشاور وتتآثر، وتنهض لجلب المصلحة ولدفع المضرّة، متساندة في العمل عن
فكر وعزيمة. '».
وهو عالم مفسّر، فسّر القرآن الكريم كلّه خلال خمس وعشرين سنة في دروسه اليومية كما شرح موطأ مالك
خلال هذه الفترة، وهو سياسي كتب في المجلات والجرائد التي أصدرها عن واقع
المسلمين وخاصة في الجزائر وهاجم فرنسا وأساليبها الاستعمارية وشرح أصول
السياسة الإسلامية، وقبل كل هذا فهو المربي الذي أخذ على عاتقه تربية
الأجيال في المدارس والمساجد، فأنشأ المدارس واهتم بها، بل كانت من أهم
أعماله، وهو الذي يتولى تسيير شؤون جمعية العلماء المسلمين الجزائريين،
ويسهر على إدارة مجلة الشهاب ويتفقد القاعدة الشعبية باتصالاته المستمرة.
إن آثار ابن باديس آثار عملية قبل أن تكون نظرية في كتاب أو مؤلَّف، والأجيال التي رباها كانت
وقود معركة تحرير الجزائر،
وقليل من المصلحين في العصر الحديث من أتيحت لهم فرص التطبيق العملي
لمبادئهم كما أتيحت لابن باديس ؛ فرشيد رضا كان يحلم بمدرسة للدعاة، ولكن
حلمه لم يتحقق، ونظرية ابن باديس في التربية أنها لا بد أن تبدأ من الفرد،
فإصلاح الفرد هو الأساس.
طريقته في التربية هي توعية هذا النشء بالفكرة الصحيحة كما ذكر الشّيخ
الإبراهيمي عن اتفاقهما في المدينة: "كانت الطريقة التي اتفقنا عليها سنة
1913 في تربية النشء هي ألا نتوسع له في العلم وإنما نربيه على فكرة صحيحة"
ينتقد ابن باديس مناهج التعليم التي كانت سائدة حين تلقيه العلم والتي
كانت تهتم بالفروع والألفاظ - فيقول: "و اقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية،
مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة، وراء أسوار من الألفاظ المختصرة، تفني
الأعمار قبل الوصول إليها" المصدر السابق ص141. أما إنتاجه العلمي فهو ما
جمع بعد من مقالاته في "الشهاب" وغيرها ومن دروسه في التّفسير والحديث لم
يصلنا كل ما كتبه أو كل ما ألقاه من دروس في التّفسير والحديث. وقد جُمع ما
نشر في (الشهاب) من افتتاحيات تحت عنوان "مجالس التذكير من كلام الحكيم
الخبير" بإشراف محمد الصالح رمضان، وتوفيق شاهين. وحاول الدّكتور عمار
الطالبي جمع آثاره كلها، ولكن لا يزال هناك أشياء لم تُجمع.الكاتب تاهمي
محمد
لا شك أن البيئة الأولى لها أثر كبير في تكوين شخصية الإنسان، وفي بلد
كالجزائر عندما يتفتح ذهن المسلم على معاناته من فرنسا، وعن معاناته من
الجهل والاستسلام للبدع-فسيكون هذا من أقوى البواعث لأصحاب الهمم وذوي
الإحساس المرهف على القلق الذي لا يهدأ حتى يحقق لدينه ولأمته ما يعتبره
واجباً عليه، وكان ابن باديس من هذا النوع. وإن بروز شخصية كابن باديس من
بيئة ثرية ذات وجاهة لَهو دليل على إحساسه الكبير تجاه الظلم والظالمين،
وكان بإمكانه أن يكون موظفاً كبيراً ويعيش هادئاً مرتاح البال ولكنه اختار
طريق المصلحين.
تأتي البيئة العلمية التي صقلت شخصيته وهذبت مناحيه والفضل الأكبر يعود
إلى الفترة الزيتونية ورحلته الثانية إلى الحجاز والشام حيث تعرف على
المفكرين والعلماء الذين تأثروا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وما دعا إليه من نقاء العقيدة وصفائها. وكان لمجلة المنار التي يصدرها الشيخ رشيد رضا أثر قوي في النظر لمشكلات المسلمين المعاصرة والحلول المطروحة.
مما شجع ابن باديس وأمضى عزيمته وجود هذه العصبة المؤمنة حوله-وقد وصفهم هو بالأسود الكبار-من العلماء والدعاة أمثال الإبراهيمي والتبسي والعقبي والميلي. وقد عملوا معه في انسجام قلّ أن يوجد مثله في الهيئات الأخرى.
8من ربيع الأول 1359هـ = 16 من إبريل 1940م: وفاة المصلح الجزائري الشيخ
عبد الحميد بن باديس، زعيم حركة الإصلاح في الجزائر في النصف الأول من
القرن الرابع عشر الهجري، وأول رئيس لجمعية العلماء بالجزائر.
من أشعاره وخطبهشَعْـبُ الجـزائرِ مُـسْـلِـمٌ