الفرق بين منتدى الرياح الباردة والريح الباردة.
إخوتي الكرام أردت أن أفيدكم علما أن هناك فرقا بين الريح الباردة والرياح الباردة وأن اسم المنتدى الرياح بالجمع أنسب من الريح بالأفراد.
ولكي تدركوا ذلك تعالوا معي لننظر في مواضع كلمة الريح وكلمة الرياح في القرآن الكريم، وسوف تجدون أنه كلما ذكر الرياح بالجمع كان للرحمة، وكلما ذكرت الريح بالإفراد كان للشدة أو العذاب ولم يستثن إلا آية واحدة في سورة يونس وإليكم أمثلة لما أقول:
قال تعالى: ( مثل الذين كفرو بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ...) إبراهيم 18
وقال: (أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم....) الإسراء 69
وقال: (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره....) الأنبياء 81
وقال: (....ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) الحج 31
وقال: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير) سبا 12
وقال: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب...) ص36
وقال: ( أن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره...) الشورى 33
وقال: ( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ) الذاريات41
وقال: ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) الحاقة6
وجاء في سورة يونس: ( ...حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جائتها ريح عاصف وجاءها الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم...) يونس22.
لو لاحظنا إخوتي الكرام أن كل مواضع كلمة الريح هنا كانت للشدة أو العذاب إلا في الموضع الأخير وهو بسورة يونس ذكرت أنها ريح طيبة. ثم كانت ريح عاصف.
والآن لننظر إلى مواضع كلمة الرياح بالجمع:
قال تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح المسخر بين السماء والأرض لأيات لقوم يعقلون) البقرة164
وقال: (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات....) الأعراف57
وقال: (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه ...) الحجر22
وقال: (وأضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فأختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح ...) الهكف45
وقال: (وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) الفرقان48
وقال: (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ....) النمل36
وقال: ( ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) الروم46
وقال: ( الله الذي يرسل الرياح فتثيرا سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ) الروم48
وقال: ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها....) فاطر9
وقال: ( واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون) الجاثية5.
ونلاحظ: هنا أيها الإخوة الكرام أن لفظ الرياح لم يكن للعذاب قط ولكنه للرحمة واللين فقط.
من خلال الآيات السابقة نجد أن لفظ القرآن كان دقيق جدا مفرقا بين الريح والرياح، فكلما ذكرت الريح كان للشدة والعذاب، أما الرياح فقد كانت للين والرحمة والتصريف....
لكننا لاحظنا أن في سورة يونس كان استثناء حيث قال تعالى:
(حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جائتها ريح عاصف وجاءها الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم...)
حيث قال في الأول ريح طيبة.
بحثت في كتب التفاسير فأعجبني كلام الشيح عبد الرحمن الثعالبي في كتابه الجواهر الحسان عند تفسيره لهذه الآية حيث قال:
(وذلك لان ريح العذاب شديدة، ملتئمة الأجزاء، كأنها جسم واحد، وريح الرحمة لينة تجيء من هاهنا وهاهنا، متقطعة فلذلك يقال هي رياح، وهو معنى نشر، وأفردت مع الفلك لأن: ريح إجراء السفن إنما هي واحدة متصلة، ثم وصفت بالطيب فزال الاشتراك بينها وبين ريح العذاب) 1
سبحان الله دقة متناهية في الوصف هنا لما كان لإجراء السفن قيل أنها ريح طيبة، يعني ذكرت بأنها ريح قوية شديدة متحدة لأنها كانت مناسبة لجريان السفن ثم ذكر بعدها أنها طيبة ليزول الاشتراك... فلا نقول لما هنا ريح ولم تكن للعذاب فذكرت الريح القوية الشديدة لأنها تناسب جريان السفن لكن ذكر بعدها مباشرة أنها طيبة ليزول اللبس...
وقال النحاس2 في معاني القرآن: ( أكثر القراء يقرءون ما كان في معنى الرحمة على الرياح، وما كان في معنى العذاب على الريح، ويحتج بعضهم بحديث ضعيف يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا هبت الريح قال: اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا)3
لذلك أقول لكم إخوتي: حتى ولو كان الحديث ضعيف ويسقط الاستدلال به، إلا أن معناه صحيح من خلال تتبع الآيات القرآنية والله تعالى أعلم.
وقد وقفت أيها الإخوة على قول الإمام ابن عاشور في المسالة حيث قال:
(وما قيل: إن الرياح للخير والريح للعذاب في القرآن هو غالب لا مطرد، وقد قرئ في آيات أخرى الرياح والريح في سياق الخير دون العذاب)4.
قال ابن عطية: ( الرياح " جمع ريح وجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب إلا في يونس في قوله تعالى " وجرين بهم بريح طيبة " وهذا أغلب وقوعها في الكلام) 5.
لذلك أقول لكم إخوتي: سواء أكان استخدام لفظ الريح للعذاب والرياح للرحمة غالب في القرآن أو مطرد6. فإن اسم منتدانا على وفق القاعدة العامة أو على وفق غالب القرآن.
أتمنى أن تستفيدوا معنا في منتدى الرياح الباردة، وأن تكون رياح تحمل في طياتها الخير الكثير لكم والمنافع المتعددة في جوانب مختلفة، ونسأل الله أن يجعل ما يقدم هنا في ميزان الحسنات وأن يبارك فيه.
............
هامش المراجع المعتمدة لمن يريد الرجوع لها.
(1) الجواهر الحسان للثعالبي الجزء الأول الصفحة 128 طبعة مؤسسة الألمعي للمطبوعات بيروت.
(2) معاني القرآن للنحاس، ج5 ص33.
(3) الحديث مروي في مسند الشافعي، كتاب العيدين، ج1 ص81، رقم 361، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، 1370هـ، ومسند أبو يعلى الموصلي باب أول مسند ابن عباس، ج4 ص341، رقم 2456، تحقيق سليم أسد، ط1، دار المأمون للتراث دمشق، 1404هـ،1984م، والمعجم الكبير للطبراني، ج11 ص213، تحقيق حمدي السلفي، رقم 11533، باب أحاديث ابن عباس، مكتبة العلوم والحكم الموصل، ط2، 1404هـ،1983م، وقال عنه الألباني ضعيف جدا، انظر السلسلة الضعيفة لمحمد ناصر الدين الألباني، ط1، مكتبة المعارف، الرياض، رقم 5600.
4 التحرير والتنوير لأبن عاشور المجلد 25 الصفحة 166، طبعة مؤسسة التاريخ العربي بيروت لبنان الطبعة الأولى 1420 هـ 2000 م.
5: المحرر الوجيز لابن عطية الجزء الأول الصفحة 219 دار الكتب العلمية لبنان الطبعة الأولى 1413 هـ 1993م.
6: معنى كلمة مطرد دائم أو مستمر أو قاعدة عامة.