المسؤولية العشرية
1- المقصود بالمسؤولية العشرية ؟
لكي نتمكن من تعريف المسؤولية العشرية فانه لا بدّ من تحديد موقعها بين بقية الأنواع الأساسية للمسؤولية و المتمثلة في المسؤولية التعاقدية و المسؤولية التقصيريّة و المسؤولية الجزائية و المسؤولية الإدارية.
فالمسؤولية العشرية ترتبط بالمسؤولية التعاقدية و المسؤولية التقصيريّة و المسؤولية الجزائية و المسؤولية الإدارية.
فهي ترتبط بالمسؤولية التعاقديّة باعتبار أنّها تعتمد على إبرام عقد وحيد للتأمين يبرمه صاحب المنشأ لحساب كل المتدخلين في عمليّة البناء وذلك لتغطية المسؤوليّة العشريّة لكلّ منهم بالاستناد على مبدأ التأمين لحساب الغير .و هي تقترب من المسؤوليّة التقصيريّة باعتبار أن المتدخّلين في البناء مسئولون طيلة مدّة العشر سنوات من تاريخ استلام المنشأ على حفظ البناء من الأضرار التي قد تمسّ بمتانته أو تجعله متداعيا للسقوط.
كما ترتبط بالمسؤولية الجزائيّة باعتبار أن الفصل 100 من مجلة التأمين ينصّ على معاقبة كل من يخالف مقتضيات الفصل 95 من نفس المجلة ( الذي ينص على وجوبية تأمين مسؤولية كل المتدخلين من قبل صاحب المنشأ و خصم من أجر كل متدخل في الحظيرة حصته من قسط التأمين ) بخطية يتراوح مقدارها بين 5000 و 50000 دينار.
و لها علاقة بالمسؤولية الإدارية باعتبار أنه إذا لم يتولّى صاحب المنشأ خصم حصّة كل متدخّل من قسط التأمين بعد تسليمه نسخة من عقد التأمين في الإبّان فإن ذلك سيترتب عنه إمكانية تسليط عقوبة خطأ في التّصرف باعتبار أنه لم يتمّ استرجاع أموال عموميّة خاصة بعد خلاص المتدخل في كافة مستحقاته و إجراء الختم النهائي للصفقة.
و بالتالي فإنّ المسؤولية العشريّة غير مستقلة عن المسؤولية التعاقدية و المسؤولية التقصيريّة و المسؤولية الجزائية و المسؤولية الإدارية و من هنا يبرز مدى أهمّيتها.
و الأهمّ من ذلك هو أنّها مسؤوليّة قانونيّة إذ تستمدّ أساسها من القانون عدد 9 لسنة 1994 المؤرخ في 31 جانفي 1994 المتعلق بالمسؤولية و المراقبة الفنيّة في ميدان البناء إذ يتمّ جبر الضرر من قبل شركة التأمين قبل البحث في أي مسؤولية و ذلك على أساس وجود قرينة خطأ.
هذا و لا يمكن الإعفاء أوالحدّ من هذه المسؤولية إلاّ الحالات التي يثبت فيها المتدخل في البناء أن سبب الأضرار ناتج عن القوّة القاهرة أو أخطاء الغير أو إصرار صاحب المنشأ على تطبيق تعليماته بالرّغم من تحذيره من مخاطرها.
2- متى يتم لإبرام عقد التأمين على المسؤوليّة العشريّة ؟
ينصّ الفصل 95 من مجلة التأمين على يتولّى صاحب المنشأ تأمين مسؤولية كل المتدخلين بمقتضى عقد تأمين وحيد لكل حظيرة يبرم قبل افتتاحها.
فعبارة القانون واضحة و صريحة و لا تقبل التأويل و على هذا الأساس فإن أجل إبرام عقد التأمين يكون قبل افتتاح الحظيرة و ليس في المراحل الأخيرة من إنجاز الأشغال أو عند الختم النهائي للصفقة.
غير أنّه من الملاحظ أنّ التجربة أثبتت أن العديد من عقود التأمين لا يتم إبرامها قبل افتتاح الحظيرة نتيجة بعض الصعوبات العمليّة المتمثلة في عدم قيام صاحب المنشأ أو صاحب المنشأ المفوّض باختيار شركة التأمين في الإبان و تركيزه على اختيار المصمّمين و المراقب الفنّي و المقاولين.
و في بعض الأحيان يتمّ إبرام عقد التأمين بعد إنهاء خلاص المتدخل و انعدام وجود رصيد بمستخلص الحساب النهائي يمكّن من خصم حصّة المتدخل من قسط التأمين.
لذلك ننتهز هذه الفرصة للتذكير بالأحكام القانونيّة المذكورة آنفا للسعي إلى اختيار شركة التأمين حالما يتمّ اختيار المصمّمين و المراقب الفني و ذلك بالإعتماد على التقرير الأوّلي لتحديد المخاطر الذي يعده المراقب الفني.
3- من يتولّى إبرام عقد التأمين على المسؤوليّة العشريّة ؟
يتولى إبرام عقد التأمين على المسؤولية العشرية المستفيد من العقد أي المؤمّن له و في هذه الحالة يتولى صاحب المنشأ إبرام عقد التأمين و الحرص على أن يكون ذلك في الآجال القانونية.
غير أن الميزة الأساسية للتأمين على المسؤولية العشرية هي أنه بالإمكان القيام بالتأمين لحساب الغير لذلك فإن صاحب المنشأ المفوّض بإمكانه القيام بإجراءات إبرام عقد التأمين لحساب صاحب المنشأ.
كما أنه بإمكان المصالح الجهويّة أن تتولى القيام بإجراءات إبرام عقد التأمين بخصوص المشاريع التي تشرف عليها وذلك لحساب المصالح الجهوية أو المحلية إذا فوّض لها في ذلك كتابيا.
فمشاريع البنايات المدنية تتم متابعتها و الإشراف عليها و التصرف فيها من قبل مصالح الوزارة و عقد التأمين على مسؤولية إنجاز هذه المشاريع هو جزء من هذه المتابعة و الإشراف و التصرف وهو جزء هام لا يجوز التهاون في شأنه إذ من أمكنه القيام بإنجاز مشروع بناء في جميع مراحله من دراسة و تصميم و تنفيذ أشغال بإمكانه القيام بجزء من مراحل هذا الإنجاز و المتمثل في إبرام عقد التأمين طبقا للقاعدة العامة : من أمكنه الأكثر أمكنه الأقلّ.
4- من هم المتدخّلون الّذين يتمّ تأمين مسؤوليّاتهم ؟
ينصّ الفصل 95 من مجلة التأمين على أن يتم إبرام عقد التأمين لحساب المتدخلين المشار إليهم بالفصل الأوّل من القانون المتعلّق بالمسؤولية و المراقبة الفنية.
و يحدّد هذا القانون المسئولين و هم المقاول و المهندس والمهندس المعماري و مكتب الدراسات و مكتب المراقبة الفنية و كل شخص مرتبط مع صاحب المنشأ بعقد للإجازة على الصنع أو الخدمات.
كما تنسحب هذه المسؤولية أيضا على الباعثين العقاريين و على كلّ شخص يبيع على سبيل العادة أو الاحتراف مبنى بعد الانتهاء من إنجازه تولى تشييده بنفسه أو عن طريق الغير و كلّ شخص يتولى و لو بصفته وكيلا لمالك المبنى مهمّة شبيهة بمهمّة الباعث العقاري.
و الملاحظ من خلال هذا التعداد للمتدخلين هو أنه لا يمكن حصرهم و لكن يمكن التعرف عليهم من خلال علاقتهم بإنجاز البناء فكل شخص مرتبط مع صاحب المنشأ بعقد غايته إنجاز البناء يعتبر متدخلا في إنجازه.
و لهذا يطرح العديد من أصحاب المنشآت تساؤلات بخصوص إمكانية تأمين مسؤولية المتدخلين الذين يقومون بإنجاز العناصر الأساسية () و المرتبطة أعمالهم بمتانة المنشأ فقط و عدم تأمين مسؤولية المتدخلين الذين يقومون بإنجاز العناصر الثانوية للمنشأ () باعتبار أن تدخلهم لا يؤثر على متانة المنشأ.
و هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن التأمين لا يشمل بصفة آلية كل المتدخلين المذكورين بالفصل الأوّل من القانون المذكور أعلاه بل يتمّ التأمين لحساب المتدخلين الذين لهم علاقة بما قد يطرأ من أضرار على المنشأ من حيث ظهور مسّ واضح بمتانته على مستوى الأسس أو الهياكل أو السقوف.
5- كيف يتمّ إبرام عقد التأمين ؟
تعتبر عملية إبرام عقد التأمين طلب عمومي () و بالتالي فهي تخضع للإجراءات الترتيبية المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية المنصوص عليها بالأمر عدد 3158 لسنة 2002 المؤرخ في 4 أوت 2003 و بالأمر عدد 2551 المؤرخ في 2 نوفمبر 2004.
و في الحالات التي يكون فيها مبلغ التأمين أكثر من 30 ألف دينار باعتبار جميع الأداءات فإن اختيار شركة التأمين يجب أن يتمّ وفقا للإجراءات الترتيبيّة المتعلقة بطلب العروض المنصوص عليها بالأمر المذكور أعلاه.
و إذا كان مبلغ التأمين أقل من 30 ألف دينار فإنه بالإمكان القيام باختيار شركة التأمين عن طريق الدعوة إلى المنافسة و القيام باستشارة و التقيد بإجراءات تضمن مساواة المشاركين و تكافؤ الفرص بينهم و الشفافية في اختيار صاحب الصفقة.
و تتمثل الصعوبات التي يمكن أن تلاقيها الإدارة بخصوص هذا الموضوع في عدم توفر كراس شروط نموذجي يمكن اعتماده لاختيار شركة التأمين. و هنا يجدر التذكير بأنه تمّ في العديد من الملتقيات السابقة بخصوص موضوع التأمين على المسؤولية العشرية توزيع كراس شروط نموذجي يمكن اعتماده مع تحيينه في كلّ مرّة وفقا لما طرأ من مستجدات بخصوص التراتيب المتعلقة بإبرام الصفقات العموميّة.
6- ماهي المنشآت التي يتمّ في شأنها إبرام عقد التأمين ؟
قد تمّ استثناء المنشآت التي لا تخضع لوجوبيّة تأمين المسؤوليّة العشريّة في إنجازها بمقتضى الأمر عدد 415 لسنة 1995 المؤرخ في 6 مارس 1995 و المتمّم بالأمر عدد 1360 لسنة 1997 المؤرخ في 14 جويلية 1997.
و على هذا الأساس فإنّ المنشآت التي لم يتم استثناؤها بالأمر المذكور أعلاه تبقى خاضعة لوجوبيّة التأمين العشري فالتأمين إذ ليس مرتبطا بحجم المشروع أو بكلفته مثلما يتراءى للبعض بل مرتبطا بما نصّ عليه القانون عدد 9 لسنة 1994 المتعلق بالمسؤوليّة و المراقبة الفنيّة في ميدان البناء حيث يعتبر منشأ حسب الفصل 3 من هذا القانون كلّ مل أقيم على سبيل القرار باستعمال مواد البناء سواء كان ذلك فوق الأرض أو في مستواها أو في باطنها أو فوق الماء.
إضافة إلى استثناء بعض المنشآت من وجوبيّة التأمين هنالك استثناء للأشخاص الذين لا ينطبق عليهم التأمين الوجوبي في ميدان البناء و قد نصّ عليهم الفصل 99 من مجلّة التأمين و هم :
-الدولة و الجماعات المحليّة و المؤسسات العموميّة ذات الصبغة الإداريّة و المنشآت العموميّة عندما تبني لفائدتها دون اللجوء إلى المتدخلين.
-الشخص المادي الذي يقوم ببناء مسكن اللجوء إلى متدخلين أو بدونه و ذلك ليشغله شخصيا أو ليشغله زوجه أو أصوله أو فروعه أو فروع زوجه.
7-متى يبتدأ احتساب آجال المسؤوليّة العشريّة ؟
يبدأ سريان المسؤوليّة ابتداء من تاريخ استلام المنشأ و تدوم عشر سنوات من ها التاريخ.
و السؤال المطروح في هذا الإطار هو هل أنّ الاستلام المنصوص عليه بالقانون عدد 9 المتعلق بالمسؤوليّة و المراقبة الفنيّة في ميدان البناء هو الاستلام الوقتي أم الاستلام النهائي للأشغال ؟
هنا لابد من التأكد على عدم وجود في النصوص القانونيّة التنصيص على عبارة استلام وقتي و استلام نهائي فهذه المصطلحات نجدها في تعامل الإدارة عن طريق كراس شروطها مع المقاولين و هذا التقسيم الزمني على مراحل ليس مسألة قانونيّة و يمكن اعتباره إجراء تطبيقيا فقط.
لعبرة هو أن يتمّ الاستلام كتابيا و تحرير محضر في الغرض يثبت عمليّة الاستلام النهائي للأشغال.
و يتمّ الاستلام بالتراضي بناء على طلب أحد الأطراف الأكثر حرصا و يكون ذلك كتابيا مع الاحتراز أو بدونه و في حالة عدم الاتفاق يتمّ الاستلام عن طريق التحكيم أو التقاضي.
8-ما هو دور مصالح الوزارة بخصوص إبرام عقد التأمين ؟
في الحالة التي لا تكون فيها الوزارة صاحبة المنشأ فإنّ مشاريع البنايات المدنيّة التي تشرف على انجازها و التي يجب أن تكون موضوع تأمين على المسؤولية العشرية تكون باسم و تحت مسؤولية الجهة الإداريّة صاحبة المنشأ سواء كانت وزارة أو جماعة محليّة.
غير ذلك أنّ ذلك لا يمنع مصالح الوزارة من تقديم المساعدة الفنيّة لتيسير إنجاز مشاريع البنايات المدنيّة و بالتالي تيسير إبرام عقود التأمين في الإبان.
و قد يحصل أن لا تتولى الجهة الإداريّة صاحبة المنشأ إبرام عقد التأمين على المسؤوليّة العشريّة و هنا لا بد من التذكير بأحكام الفصل 95 (جديد) فقرات ثالثة و رابعة و خامسة من مجلة التأمين الذي ينصّ صراحة على أن يقوم رئيس البلديّة أو الوالي حسب الحالة بالتثبت من إبرام صاحب المنشأ لعقد تأمين مسؤوليّة كلّ المتدخلين في البناء قبل فتح الحظيرة.
و يمكن للوزير المكلّف بالتعمير في كل الحالات التثبت من إبرام صاحب المنشأ لعقد التأمين المنصوص عليه بهذا الفصل.
و على صاحب المنشأ مدّ السّلط المذكورة أعلاه بنسخة من العقد عند عمليّة التثبت.
و بالتالي فإن مصالح الوزارة معنيّة بعمليّة إبرام عقود التأمين قبل افتتاح الحظيرة و مكنها القانون من التثبت من إبرام هذا العقد من عدمه و بالتالي فإن لها دور كبير في هذا المجال لا بدّ من إيلائه الأهميّة التي يستحقّها.
من طرف 
