الرياح الباردة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اهلا ومرحبا زائرنا الكريم ان كنت عضو فتفضل بالدخول وان لم تكن مسجلا نتشرف بانضمامك الينا .... نتمنى لكم كل الافادة و الإستفادة خلال تجوالكم في المنتدى
الرياح الباردة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اهلا ومرحبا زائرنا الكريم ان كنت عضو فتفضل بالدخول وان لم تكن مسجلا نتشرف بانضمامك الينا .... نتمنى لكم كل الافادة و الإستفادة خلال تجوالكم في المنتدى
الرياح الباردة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
المواضيع الأخيرة
» رمضان مبارك .. اهله الله علينا وعليكم اللهم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyمن طرف admin الخميس مايو 17, 2018 12:55 am

» اضف اسمك لرسالة المفتوحة الى الجهات المسؤولة حول العالم "الحرية لاطفال فلسطين المعتقلين في سجون الاحتلال"
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyمن طرف sirène الإثنين ديسمبر 25, 2017 4:42 pm

» الأسد والضباع ( عبرة)
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyمن طرف ترياق الأربعاء نوفمبر 15, 2017 6:30 pm

» تفسير (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ..)
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyمن طرف ترياق الثلاثاء نوفمبر 14, 2017 12:05 am

» موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyمن طرف ترياق الإثنين نوفمبر 13, 2017 11:45 pm

» دموع اليتيم (عبدو سلام)
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyمن طرف ترياق الأحد نوفمبر 12, 2017 12:13 am

» تفسير سورة الشرح (ابن الكثير)
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyمن طرف ترياق الأحد نوفمبر 12, 2017 12:06 am

» لسان_البراءة (عبدو سلام)
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyمن طرف ترياق الجمعة نوفمبر 10, 2017 9:24 pm

» عيد ميلاد سعيد فلة
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyمن طرف ترياق الجمعة سبتمبر 15, 2017 11:37 pm

» يوم ميلاد سعيد sirène عقبال 100
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyمن طرف sirène الخميس مايو 04, 2017 2:20 am


 

 موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ترياق
المديرة العامة
المديرة العامة
ترياق


انثى عدد مساهمات العضو : 1142
تاريخ الميلاد : 04/01/1993
تاريخ التسجيل : 04/05/2012
العمر : 31
المزاج الحمد لله ربي العالمين

موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Empty
مُساهمةموضوع: موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى   موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyالإثنين نوفمبر 13, 2017 11:44 pm

التفسير المطول - سورة طه 020 - الدرس (1-9): تفسير الآيات 1 - 8
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1988-01-22

بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الإخوة المؤمنون ... مع الدرس الأول من سورة طه .
 بسم الله الرحمن الرحيم

﴿طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾
تفسير كلمة ( طه ):
التفسير الأول :
 أولاً : طه ، قال بعض المفسِّرين : " الله أعلم بمراده " .
التفسير الثاني :
 وقال بعضهم الآخر : " إن القرآن الكريم إنما صيغَ من هذه الحروف ، وهذه الحروف الهِجائيَّة بين أيديكم ، فإن استطعتم أن تأتوا بمثل هذا القرآن فأتوا بمثله ، وإن استطعتم أن تأتوا بسورةٍ منه فافعلوا " ،
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24)﴾
( سورة البقرة )
التفسير الثالث :
 أن هذه الحروف التي صُدِّرت بها بعض السور إنما هي أسماء لهذه السوَر " ، فهذه السورة اسمها سورة طه ، لكن الإمام الفخر الرازي في تفسيره الشهير يورد تفسيراً لتابعيٍ جَليل هو سعيد بن جبير ، يقول هذا التابعي الجليل : " طه اسمان لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، الاسم الأول الطاهر ، والاسم الثاني الهادي ، والله سبحانه وتعالى يخاطب النبي علبه الصلاة والسلام ويقول له : يا طاهراً من الذنوب ، ويا هادياً إلى علاَّم الغيوب " ، وهناك تفسيرٌ آخر هو أن الطاء تمثِّل طَرَبَ المؤمنين في الجنَّة ، والهاء تمثِّل هوان الكافرين في النار ، وبعضهم يقول : "طوبى لمن اهتدى " .
القرآن حمَّال أوجهٍ :
 القرآن كما تعلمون أيها الإخوة حمَّال أوجه ..
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا(109)﴾
( سورة الكهف )
 فإذا قلت : الله أعلم بمراده فقد أصبت ..
﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ ﴾
( سورة آل عمران : من آية " 7 " )
 وإن قلت : إن طه حرفان ، منهما ومن أمثالهما صيغَ هذا القرآن الكريم ، وهو الكتاب المعجز فقد أصبت ، وإن قلت : إن طه اسمٌ لهذه السورة فقد أصبت ، وإن قلت : إن طه اسمان لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، يا طاهراً من الذنوب ، ويا هادياً إلى علام الغيوب ، فقد أصبت ، وإن كانت طه إشارةً إلى العبارة طوبى لمن اهتدى فقد أصبت ، وإن رمزت إلى الطاء بطرب أهل الجنَّة بالجنَّة ، والهاء هوان أهل النار في النار فقد أصبت ، والله سبحانه وتعالى هو وحده يعلم سرَّ هذين الحرفين ..

﴿ طه ﴾
الراجح في كلمة ( طه ):
 لكنَّ الذي يُرَجِّحُ أن هذين الحرفين اسمان لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، أن الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾
 أي يا طه ما أنزلنا عليكَ ، فهذه الكاف هي كاف الخطاب .
 شيءٌ آخر ؛ ورد في بعض التفاسير أن للنبي عليه الصلاة والسلام أسماء كثيرة منها طه و يس ..

﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾
 قبل أن ننتقل إلى الآية الثانية ، إذا كان أرجح التفاسير أن الطاء تعني أن النبي عليه الصلاة والسلام طاهرٌ من الذنوب ، وإذا كانت الهاء تعني أن النبي عليه الصلاة والسلام هادٍ إلى علام الغيوب ، وبما أن المؤمنين قد أُمِروا بما أُمِرَ به المرسلين ..
(( إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
( الترمذي عن أبي هريرة )
موقف المؤمن من معنى هذين الحرفين : الاقتداء :
 فما موقفنا نحن المؤمنين من هذين الحرفين ؟ هل طَهَّرنا أنفسنا من الذنوب ؟ وهل حاسبنا أنفسنا في الدنيا حساباً عسيراً ليكون حسابنا يوم القيامة حساباً يسيراً ؟ وهل راجعنا أنفسنا ؟ وهل أيقنا بقوله تعالى:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾
( سورة الزلزلة )
 هل راجعنا حساباتنا مساء كل يوم ؟ وهل تَبَصَّرنا بأعمالنا ، أفيها مخالفةٌ ، أم فيها انحرافٌ ، أم فيها تقصيرٌ ، وهل فيها معصيةٌ ، أو فيها خرقٌ لحدود الله ، وهل طهَّرنا أنفسنا من الذنوب ؟ وهل ضبطنا سلوكنا وَفْقَ كتاب الله وسُنَّة رسوله ؟ إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يثني الله عليه بأنه الطاهر الهادي ، فأين نحن من هاتين الصفتين ؟ هل طهَّرنا أنفسنا ؟ وهل طهَّرنا قلوبنا مما سوى الله من الأمراض النفسيَّة ؟ ومن مشاعر الاستعلاء ومشاعر الأثرة ، ومن المشاعر التي لا تليق بالإنسان ، أين نحن من تطهير أنفسنا من الذنوب ؟ 
 يا أيُّها الإخوة المؤمنون ... كل صفةٍ وُصِفَ بها النبي عليه الصلاة والسلام لابدَّ أن يكون للمؤمن منها نصيب ، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد وصفه الحقُّ جلَّ وعلا بأنه الطاهر الهادي فلابدَّ أن يكون المؤمن على شيءٍ ، ولو يسيرٍ من الطهر ومن الهدى ، يا طاهراً من الذنوب ، ويا هادياً إلى علام الغيوب .
رفعة النبي عليه الصلاة والسلام وحرصه على هداية الناس :
 وشيءٌ آخر ؛ هو أن الله سبحانه وتعالى يبيِّن رفعة هذا النبي الكريم..

﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾
 كأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قد شَقِيَ بمعنى أتعب نفسه ، وحَمَّلها فوق ما تطيق ، إما لأنه تَحَسَّر على قومه ، وتأسَّف عليهم ، وحزن لصدِّهم عن سبيل الله ، وإما لأنه رأى أن كل إنسانٍ هو أخوه في الإنسانيَّة ، وإما لأن قلب النبي عليه الصلاة والسلام مُفْعَمٌ بالرحمة ، فحينما يرى البشر قد حادوا عن الطريق المستقيم تتفطَّر نفسه ، ويتفطَّر قلبه ألماً لِما سيحلُّ بهؤلاء الناس الغافلين من آلامٍ ومن عذابٍ في الدنيا والآخرة ..
﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾
معاني الآية :
المعنى الأول :
 كأنَّ الله سبحانه وتعالى يُسَلِّي نبيَّه الكريم ، فيُخَفِّف عنه ، ويطمئنه ، وتجاوزت الحد المعقول ، تجاوزت الحد الذي كُلِّفْتَ به ، ما كلَّفناك هذا ، ما كلفناك فوق ما تطيق ، ما أردنا أن تتعب نفسك هذا التعب ، وما أردنا أن تشقى من أجل الناس ، فالله سبحانه وتعالى يخفِّف عن نبيه ، ويسلِّيه ، ويبيّن لنا النفس الكريمة التي انطوى عليها .
 نحن إن اهتدى الناس فقد اهتدوا ، وإن لم يهتدوا قلنا : لا يهتدون ، فماذا أفعل لهم ، بماذا يُحِسُّ المؤمن إذا دعا إلى الله ، ولم يُسْتَجَب له ؟ فهل يحسُّ بهذا الإحساس المُضني ؟ وهل تتمزَّق نفسه ؟ وهل يتفطَّر قلبه لما يرى من إعراض الناس ، وغفلتهم ، وانغماسهم في الشهوات ، وبعدهم عن الحق ، وتورُّطهم في بعض المعاصي .
 أيُّها الإخوة الأكارم ... النبي عليه الصلاة والسلام هذا حاله ، وهو على خُلُقٍ عظيم ، وهو سيِّد الخلق ، وهو سيد ولد آدم ولا فخر .. كما يقول عن نفسه .. وهو العروة الوثقى ، وهو الوسيلة ، وهو صاحب الشفاعة ، وإن الله عزَّ وجل يبيِّن لنا رحمة هذا النبي الكريم ..
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(128)﴾
( سورة التوبة )
 وإذا قرأت هذه الآية فلا شكَّ أنك تحسُّ عظمة النبي عليه الصلاة والسلام ، كما يقول عليه الصلاة والسلام :
((... يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا ، وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ))
( صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ )
(( ولو تعلمون ما أنتم عليه بعد الموت ما أكلتم طعاماً عن شهوةٍ ))
( ورد في الأثر )
 والنبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث يذكر أن روح الميِّت ترفرف فوق النعش فتقول : " يا أهلي يا ولدي لا تلعبنَّ بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حلَّ وحرُم فأنفقته في حلِّه وفي غير حلِّه فالهناء لكم والتبعة علي .. " .
 ثم يقول عليه الصلاة والسلام :
((ما من بيتٍ إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرَّات فإذا رأى أن العبد قد انقضى أجله ، وانقطع رزقه ألقى عليه غمَّ الموت فغشيته سكراته ، فمن أهل البيت الضاربة وجهها ، والناشرة شعرها ، والصارخة بويلها فيقول ملك الموت : ممَّ الفزع ؟ وفيمَ الجزع ؟ ما أذهبت لواحدٍ منكم رزقاً ولا قرَّبت له أجلاً ، وإن لي فيكم لعودة حتى لا أُبقي منكم أحداً ، فو الذي نفس محمدٍ بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ، ولبكوا على أنفسهم ))
  ثم يقول عليه الصلاة والسلام :
(( فو الذي نفس محمدٍ بيده لو تعلمون ما أنتم عليه بعد الموت ما أكلتم طعاماً عن شهوةٍ ، ولا شربتم شراباً ، ولا دخلتم بيوتكم تستظلون بها ، بل لذهبتم إلى الصُعُدات تبكون على أنفسكم وتلدمونها ))
( ورد في الأثر )
 إذاً النبي عليه الصلاة والسلام يرى المصير ، مقام النبوَّة مقام الرؤيا ، لقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام مصير الإنسان إذا كان معرضاً عن الله عزَّ وحل ، رأى شقاءه الأبدي ، وهو أرحم الخلق بالخلق ، إذاً هو حينما يدعو الناس إلى الله عزَّ وجل ، وهم يعرضون إنه يتفطَّر عليهم ، ويتألَّم ، ويحزن ، من هذه المعاني قول الله عزَّ وجل :
﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ ﴾
( سورة الكهف : من آية " 6 " )
﴿ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ﴾
( سورة الأعراف : من آية " 2 " )
﴿ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾
( سورة النحل : من آية " 127 " )
﴿ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾
( سورة فاطر : من آية " 8 " )
 هذه الآيات الأربع من هذا القبيل ..

﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾
 هل يؤلمك أن ترى أخاً لك في طريق الضلال ، أم تقول في نفسك : ما لي وله ، ليفعل ما يشاء ؟ إن قلت : ما لي وله ، ليفعل ما يشاء ، فليس في القلب رحمة ، هل تتألَّم إذا دعوت إنساناً لطاعة الله ، وسخِرَ من هذه الدعوة ؟ وهل يتفطَّر القلب ألماً إذا رأيت مَن حولك في طريقٍ الهاوية ؟ فإن كنت كذلك فأنت تقفو أثر النبي عليه الصلاة والسلام ، إن كنت كذلك فأنت من أمَّته ، لأن الراحمين يرحمهم الله .

﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾
 هذا هو المعنى الأوَّل .
المعنى الثاني :
 أن النبي عليه الصلاة والسلام لشدَّة عنايته بهذا الكتاب تلاوةً ، وتعليماً ، وقراءةً ، وتعبُّداً حمَّل نفسه فوق ما يطيق ، إنه يمضي معظم الليل يصلي قائماً إلى أن تورَّمت قدماه ، إنه يمضي معظم أوقاته في تعليم الناس ، وفي توجيههم ، وفي هدايتهم ، إنه يحفظ هذا الكتاب ، وينقله نقلاً أميناً للبشر الذين أنيط هداهم به ، فالله سبحانه وتعالى يخفِّف عنه ..

﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾
 بعض الجُهد ، لا تُحمِّل نفسك ما لا تطيق ، فجسدك له عليك حق ، استرح ولو قليلاً ..
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ ﴾
( سورة المزمل : من آية " 20 " )
 إذاً إما أن تفهم الآية :

﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾
 على أن النبي عليه الصلاة والسلام لشدَّة ما انطوى قلبه على رحمةٍ مُزجاةٍ للبشر كافَّةً إذا رآهم منحرفين ، أو معرضين ، أو ضالين يتفطَّر قلبه ، ويتحمَّل كما تتحمَّل الأم الرؤوم من الآلام حينما ترى أولادها على غير الطريق الصحيح سائرين ، فهو كالأم تماماً .
 والمعنى الثاني : أن النبي عليه الصلاة والسلام حمَّل نفسه فوق طاقتها ، فأتعبها ، وكان في الليل قَوَّاماً ، وفي النهار داعياً ، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام حينما دعته السيدة خديجة إلى أن يأخذ قسطاً من الراحة بُعَيْدَ نزول الوحي عليه ، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام :

((انقضى عهد النوم يا خديجة))
( ورد في الأثر)
 قام قومةً واحدة ، ودعا إلى الله ، ولبث في قومه ثلاثة وعشرين عاماً ، حقَّق من خلالها ما لا يفعله البشر قاطبةً ، قَلَبَ وجه الأرض ، إذْ أرسى قواعد العدل ، لقد جاء الحياة فأعطى ، ولم يأخذ ، وقدَّس الوجود ، ورعا الإنسان ، وكان مثلاً أعلى ، ألم يَدْعُه أترابه حينما كان صغيراً إلى اللعب ، فقال عليه الصلاة والسلام وهو في سنِّ الطفولة :
((لم أُخْلَق لهذا))
( ورد في الأثر )
 ألم ينزل عليه قوله سبحانه وتعالى :
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1)وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ(2)﴾
( سورة الشرح )
 هذا الحِمل الثقيل ، عبء الدعوة ، عبء الهداية كان يحمله ، ولا يدري ما المخرج ، كيف يدعوهم ؟ وبأية صفةٍ يدعوهم ؟ إلى أن أنزل الله عليه الوحي ، ألم يقل الله عزَّ وجل :
﴿ وَالضُّحَى(1)وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2)مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(3)﴾
( سورة الضحى )
 فلذلك هذه الآية :

﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾
 ما أردنا أن يكون هذا القرآن مُتْعِبَاً لك إلى هذا الحد ، وما أردنا أن يكون القرآن يحمِّلك ما لا تطيق ، ونحن بعد ألفٍ وأربعمئة عام نتمنَّى على الأخ الكريم أن يحضُر إلى المجلس ليستمع ساعةً في الأسبوع إلى التفسير ، فقد يأتي في هذا الأسبوع ، وربما لا يأتي في الأسبوع الآخر ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فقد حَمَّلَ نفسه فوق ما يطيق ..
﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾
 في هذه الآية بيانٌ لِعِظَم شأن النبي عليه الصلاة والسلام ، في هذه الآية بيانٌ لما أُتْرِعَ قلبه من الرحمة ، للرحمة البالغة التي ملأت جوانحه ، في هذه الآية بيانٌ إلى حرصه الشديد على هداية الخلق .
اقتداء المؤمن بحرص النبي عليه الصلاة والسلام على هداية الناس :
 ويا أيُّها الإخوة المؤمنون ... هذا الذي لا يحبُّ الناس ليس أهلاً أن يهديهم إلى سواء السبيل ، فيجب أن تُحِبَّ الخلق ، وأن تحبَّ الناس جميعاً ، لأنهم عيال الله ، وأحبُّهم إلى الله أنفعهم لعياله ، ويجب أن يمتلئ قلبك رحمةً .. إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي .. وما من عملٍ يفوق أن تدلُّ الناس على الله عزَّ وجل ، وأن تهديهم إلى سواء السبيل ، وأن تعرفهم بربهم ، وإذا عرفوه سعدوا به .. " ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتُّكَ َفاتَكَ كل شيء ، وأنا أحبُّ إليكَ من كل شيء".

﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾
القرآن تذكرة لمن يخشى :
 إنه تذكرة ، من هو الذي يخشى ؟ في عالمنا ، وفي حياتنا اليوميَّة من الذي يخشى ؟ هو الذي يُفَكِّر ، فهذا الذي يعمل تفكيره في حياته يخشى، فقد يخشى الإنسان أن يتسرَّب الغاز فيحرق البيت ، تراه حريصاً على ضبط الأمور ، يفكِّر ، وهذا الذي يشتري دواءً سامَّاً يخشى أن يكون بين أيدي الأطفال ، يضعه في حرزٍ حريز ، ويخشى ، أيْ يفكِّر ، وهذا الذي يخشى أن يرسُب في آخر العام ، معنى ذلك أنه يفكِّر عاماً بأكمله ، ولو أنه أهمل الدراسة لكان ضياعاً من حياته ، فكأنَّ الذي يخشى هو الذي يفكِّر ، أي يُعْمِلُ فكره ، فيدرُس ، ويتدبَّر ، وينظُر في الأمر ، ويتأمَّل ، فهذا الذي لا يفكِّر لا جدوى منه .
 الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول : " ما ناقشت عالماً إلا غلبته ، ولا ناقشني جاهلٌ إلا غلبني " ، لأنه لا يفكِّر .
﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ(22)﴾
( سورة فاطر )
 فكأنَّ الله عزَّ وجل لم يرٍدْ هذا القرآن لكل الناس ، هو لكل الناس ، ولكن لا يستفيد منه إلا من أعمل فكره في أمور معاده ، أما هذا الذي يعيش لحظته ، ويعيش وقته ، وهو مع الناس إن أحسن الناس أحسن ، وإن أساؤوا أساء ، فهذا الذي لا يعنيه إلا أن يكسب المال ، ولا يعنيه إلا أن ينغمس في الملذَّات ، وهو غافلٌ عن ساعة الرحيل ، عن ساعة نزول القبر ، وهذا الذي لا يفكِّر ليس مؤهَّلاً أن يفهم هذا القرآن الكريم ، الذي هو تذكرةٌ لمن يخشى لا لكل الناس ، ولذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام قال :
((مَن منح الحكمة غير أهلها فقد ظلمها ، ومن منعها أهلها فقد ظلمهم))
﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾
 فإذا كنت ممن يفكِّر فأنت ممن يخشى ، وإذا كنت ممن يخشى فهذا القرآن لك ، فاقرأه وتدبَّر آياته ..

﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://ari7.up-your.net/
ترياق
المديرة العامة
المديرة العامة
ترياق


انثى عدد مساهمات العضو : 1142
تاريخ الميلاد : 04/01/1993
تاريخ التسجيل : 04/05/2012
العمر : 31
المزاج الحمد لله ربي العالمين

موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى   موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى Emptyالإثنين نوفمبر 13, 2017 11:45 pm

فإذا كنت ممن يفكِّر فأنت ممن يخشى ، وإذا كنت ممن يخشى فهذا القرآن لك ، فاقرأه وتدبَّر آياته ..

﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾

 ولذلك يقول الله عزَّ وجل في آياتٍ أخرى :
﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى(9)سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى(10)﴾
( سورة الأعلى )
 هذا المفكِّر يتذكَّر ، ومن السُخْفِ بالمرء أن يستخدم هذا الفكر العظيم ، الذي هو أثمن شيءٍ في الوجود لأغراض رخيصة ، أو لأهداف خسيسة ، ولمطالب محتقرة ، فالله كرَّمك بهذا الفكر من أجل أن تعرفه به..

﴿ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾
 أي يا أيها النبي الكريم لا تتعب نفسك مع هؤلاء الذين لا يفكِّرون ، ولا تجهد نفسك معهم ، لأنه لا جدوى منهم ، ومن لم يفكِّر فأنت لن تستطيع أن تؤثِّر فيه ، ما دام قد عطَّل تفكيره ، ولذلك فربنا عزَّ وجل قال :
﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(24)﴾
( سورة محمد )
﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(154)﴾
( سورة الصافات )
﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ(26)﴾
( سورة التكوير )
﴿ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ(32)﴾
( سورة يونس )
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ(6)﴾
( سورة الجاثية )
﴿ قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ(58)﴾
( سورة غافر )
﴿ تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا﴾
الذي أنزل القرآن هو الذي خلق الكون :
1 - بعض مظاهر الإعجاز العلمي في الكون :
 فماذا أقول في هذه الآية ؟ هل نعلم ممن هذا الكتاب ؟ ومن عند مَنْ أتى ؟ من عند الذي خلق السماوات والأرض ، ماذا نعلم عن السماوات ؟ 
المجرّات :
 ومن منا يصدِّق أن الرقم التقديري الأولي أن في الفضاء الخارجي ما يزيد على مليون مليون مجرَّة ، أي واحد أمام اثني عشر صفراً ، وفي المجرَّة والواحدة ما يزيد على مليون مليون نَجم ، وبعض هذه النجوم المعتدلة يزيد حجمها على حجم الأرض والشمس مع المسافة بينهما .
الشمس :
 والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرَّة ، أي أن الشمس تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض ، وبين الشمس والأرض مئةٌ وخمسون مليون كيلو متر يقطعها الضوء في ثماني دقائق ، وهذا الكوكب المتوسِّط في برج العقرب واسمه قلب العقرب .. يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما ، وأن بعض هذه المجرَّات يبعد عنَّا ستة عشرة ألف مليون سنة ضوئيَّة .
 وأن الإنسان حينما اجترأ وقال : غزونا الفضاء ، ما قطع من الفضاء الخارجي إلا ثانيةً ضوئيَّةً واحدة ، في حين أن بعض المجرَّات يزيد بعدها عنا عن ستَّة عشر ألف مليون سنة ضوئيَّة .
 والذي خلق المجرَّات وخلق الأرض والسماوات هذا كلامه ، وهذا كتابه ، وهذا المنهج الذي ينبغي أن نسير عليه ، وهذا هو كتابنا وهادينا إليه ، فلذلك شرفُ الرسالة من شرف المُرسل ، فإذا كنت في الخدمة الإلزامية ، وجاءتك ورقةٌ من عريف ، لك موقفٌ منها ، فإن جاءتك من رقيب فلك موقفٌ آخر ، فإن جاءتك من الملازم ، أو ممن هو أعلى ، فإن جاءتك من قائد الجيش ، وقد وُقِّعَتْ بالأخضر فلك موقفٌ آخر، فإن جاءك هذا الكتاب من ملك الملوك ، من خالق السماوات والأرض ، ممن بيده حياتك وموتُك ، ممن بيده كل شيء ، فما موقفك ؟ أتلقيه وراءك ظهرياً ؟
﴿ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا(30)﴾
( سورة الفرقان )
 شرف الرسالة من شرف المُرسل ..

﴿ تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا﴾
القرآن مفتاحُ سعادتِنا :
 والله الذي لا إله إلا هو لو عرفنا عظمة هذا الكتاب ، ولو عرفنا تماماً أنه كلام رب العالمين ، وأن كل سورةٍ ، بل كل آيةٍ ، بل كل كلمةٍ ، بل كل حرفٍ ، بل كل حركة من حركات هذا القرآن مفتاحٌ لسعادتنا ، ومنهجٌ لنا ، لكان أمرنا غير ما ترون ، آيةٌ واحدة :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي ﴾
( سورة النور : من آية " 55 " )
 كم يعاني الناس من مشكلات ؟ فلو أن الإنسان قرأ القرآن ، وأيقن أن هذا القرآن كلام الله عزَّ وجل ، وأنه لا محالة واقع ، فماذا يفعل ؟ وماذا ينتظر ؟ ..
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل : من آية " 97 " )
 ولو أن الإنسان قرأ القرآنَ ، وهو موقنٌ بأن هذا الكلام كلام الله رب العالمين ، وأن هذا الكلام حقٌّ لا مِرْيَةَ فيها ولا شكَّ فيه ..
﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ﴾
( سورة فصلت : من آية " 43 " )
 ولو قرأ قوله تعالى :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)﴾
( سورة طه )
 فلو ملكت الملايين ، أو طرت إلى السماء ، ولو فعلت الأفاعيل ، ما لم تكن مقبلاً على الله عزَّ وجل ، فهذا الإنسان أشقى الأشقياء ، وهذا كلام رب العالمين ، ولو قرأت قوله تعالى :
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21) ﴾
( سورة الجاثية )
 لاختلفت حياتك ، ولذلك فما هو أملك حيال هذه الآية ؟ هذا الكتاب..

﴿ تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا﴾
﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾
( سورة الحشر : من آية " 21 " )
 على جبل ، وبعض الناس يقرؤونه ، وهم ساهون لاهون ، يقرؤونه ولا يعملون بأحكامه ، لا يحِلُّون حلاله ، ولا يحرِّمون حرامه ، ولا يتعظون بأخباره ، ولا يخافون وعيده ، ولا يرجون وعده ، يقرؤونه تبرُّكاً ، أو يقرؤونه تعبُّداً ، وهم عنه غافلون .
 و
((ربَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه))
 و
((مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ))
( سنن الترمذي عَنْ صُهَيْبٍ )
﴿ تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾
معنى الاستواء بين مذهب السلف ومذهب الخلَف :
 سُئِلَ الإمام مالكٌ رضي الله عنه عن هذه الآية فقال : " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة " ، لأن هذا السؤال متعلِّقٌ بذات الله عزَّ وجل ، والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نفكِّر في مخلوقات الله ، أما التفكُّر في ذاته فقد يودي بنا إلى الهلاك ، على كلٍ فهناك مذهب الخلف ومذهب السلف في تفسير هذه الآية ..
 السلف الصالح قال : " هذه الآية يجب أن نفهمها من غير تكييف.. أي كيف استوى على العرش ؟ ومن غير تحريف ، ومن غير تشبيه .. أي هل هو كالملك يجلس على كرسي العرش ؟ لا .. ومن غير تعطيل لهذه الآية ، ومن غير تمثيل "، لا تمثِّل ، ولا تعطِّل ، ولا تُشَبِّه ، ولا تحرِّف ، ولا تكيِّف ، هذا مذهب السلف الصالح في فهم هذه الآية .
 وأما مذهب الخلف أيضاً فمذهبٌ مقبول ، الخلف يقولون : " هذه الآية كنايةٌ عن الاحتواء على المُلْك ، والأخذ بزمام الأمور كلِّها " ، أي أن الله سبحانه وتعالى محيطٌ بالكون ، والله سبحانه وتعالى بيده كل شيء ، وتوحيد الربوبيَّة في هذه الآية ، فهو الذي خلق ، وهو الذي أمدَّ ، وربَّي ، وأعطى ، ومنع ، وعَلا ، وقَهَر ، وأخذ ، ورفع ، وخفض ، فكل شيءٍ بيده .

﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾
 استواءٌ بمعنى السيطرة والأخذ بزمام الأمور ، هو الواحد القهَّار .
 لكنَّ الذي يجذب النظر أن الله سبحانه وتعالى لم يقل : الله على العرش استوى ، ولم يقل : القوي على العرش استوى ، ولم يقل : الغني على العرش استوى ، ولم يقل : الربُّ على العرش استوى ، بل قال :

﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾
سرُّ اقتران الاستواء باسم الرحمن :
 فأقرب اسمٍ من أسماء الله الحُسنى اسم الرحمة ، فهذا الذي خلق الكون رحيم ، والذي يحرِّك الأجرام السماويَّة رحيم ، والذي يسوق الرياح رحيم ، والذي يُنْزِلُ الأمطار رحيم ، والذي بيده كل مخلوقٍ رحيم ، أي اطمئن أيُّها الإنسان الأمور بيد الرحمن الرحيم ..

﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾
 وشيءٌ آخر : هو أن الله سبحانه وتعالى رحمنٌ في ذاته ، رحيمٌ في أفعاله ، العرش هو المُلْك ..
﴿ قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾
( سورة آل عمران : من آية " 26 " )
 وقد جاء في بعض الأحاديث القدسيَّة : 
 " أنا ملك الملوك ومالك الملوك قلوب الملوك بيدي ، فإن العباد أطاعوني حوَّلت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن العباد عصوني حوَّلت قلوب ملوكهم عليهم بالسُخط والنقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بالملوك وادعوا لهم بالصلاح فإن صلاحهم بصلاحكم " .
 هو ملك الملوك ، ومالك الملوك ، وبيده كل شيء صغاًرٌ كان أو كبيراً ، جليلاً كان أو حقيراً .

﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾
من لوازم الاستواء الملكية المطلة للكون خَلقا وتصرفا ومصيرا :
 ومن لوازم الاستواء له ، هذه اللام لام الملكيَّة ..

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾
 ولا توجد آية شاملة شمول هذه الآية ..

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾
 قال العلماء : " له بمعنى أن ما في السماوات وما في الأرض تعود إليه مُلْكِيَّتها ، ويعود إليه التصرُّف فيها ، ويعود إليه مصيرها " ، وهذا أوسع أنواع الملكيَّة ، لأنك قد تملك بيتاَ ، ولست تنتفع به ، فأنت مؤجَّره ، وقد تنتفع بالبيت ولا تملكه ، وقد تملكه وتنتفع به ، ولكن لا تدري أيصدر قرارٌ باستملاكه ؟ إذ ليس لك مصيره ، أما أن تملك الشيء وأن تكون حرَّاً في التصرُّف فيه ، وأن يكون إليك مصيره ، فهذا أوسع أنواع المُلكيَّة ، فالعلماء حينما قالوا : له بمعنى له ملكاً وتصرُّفاً ومصيراً..

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾
 من النجوم ، والمجرَّات ، والكواكب ، والمذنَّبات ، والكازارات ، والثقوب السود في الفضاء الخارجي ، هي أماكن ضغط عالٍ جداً في الفضاء الخارجي ، فلو دخلت الأرض أحد الثقوب السوداء .. دقِّقوا في هذا الكلام .. لأصبح حجمها كحجم البيضة ، وبقي وزنها كما هي .. الأرض بأكملها .

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾
 من ثقوب سود ، ومن كازارات ، ومن مجرَّات ، ومن نيازِك ، ومن مذنَّبات ، ومن فضاء ، ربنا عزَّ وجل قال :
﴿ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)﴾
( سورة الواقعة )
 المواقع وحدها ، هذه المسافات التي بين النجوم ستة عشر ألف مليون سنة ضوئيَّة ، إذا أحب أحدكم ليلاً أن يتسلَّى بعد الدرس ، ضرب ثلاثمئة ألف كيلو متر ، وهذا ما يقطعه الضوء في ثانيةٍ واحدة ، ضربها بستين دقيقة ، ثم ضربها بستين فصارت ساعة ، ثم ضربها بثلاثمئة وخمسة وستين فصارت سنة ، ثم ضربها بستة عشر ألف مليون سنة فيظهر رقم يحتاج إلى كرار ، ولذلك فهذه المسافات البينيَّة بين النجوم لا يعلمها إلا الله ..

معنى : وَمَا تَحْتَ الثَّرَى
 قال : وما تحت الثرى هذه إشارةٌ دقيقةٌ جداً إلى أن تحت الثرى هناك الثروات ، والمعادن ، والفوسفات ، والبترول ، ومناجم الحديد ، ومناجم الفحم ، ومناجم النحاس ، ومناجم المعادن الثمينة واليورانيوم ..

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾
 وأحياناً يقال لك : هذه صحراء ، ونظنُّها صحراء ، فإذا هي مستودعات للمعادن ، والفِلْزات ، والأشياء الثمينة التي لا يعلمها إلا الله .

﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾
يعلمُ السّرَّ وأخفَى :
 أي إن جهرت بالقول أو لم تجهر ، أو إن تنحَّيْتَ مع إنسانٍ إلى مكانٍ بعيدٍ عن الناس ، إلى أرضٍ خاليةٍ عنهم ، وأسررت له كلاماً فإن الله يعلم ذلك .
قصة وعبرة : سبحان الذي وسع سمعُه كلَّ شيء :
 صفوان بن أميَّة أخذ عُمَيْر بن وهب إلى خارج مكَّة ، إلى الصحراء ، فقال له عمير : " والله لولا خشية العَنَتِ على أطفالٍ صغار ، ولولا ديونٌ ركبتني لذهبتُ إلى محمدٍ وقتلته وأرحتكم منه " ، شخصان لا يعلم بوجودهما إلا الله ، فقال له صفوان : " أما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر ، وأما ديونك فهي علي بلغت ما بلغت فامضِ لما أردت .. اقتله وأرحنا منه .. " . فما كان من عمير إلا أن حمل سيفه وسقاه سمَّاً ، وجهَّز راحلته وتوجَّه إلى المدينة .
وفي المدينة رآه سيدنا عمر متنكِّباً سيفه فقال : " هذا عدو الله عُمَيْر جاء يريد شرَّاً " ، أخذ سيفه وقيَّده بحماَّلة السيف ، وقاده إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، الأمر كان بُعَيْد معركة بدر ، بمعنى مجيء عمير إلى المدينة مغطَّى بسبب فَكِّ أخيه من الأسر ، فلمَّا دخل على النبي عليه الصلاة والسلام قال له النبي الكريم : " فكَّ أسره يا عمر " .. فكَّ قيده .. ففَكَّ قيده ، ثم قال : " ابتعد عنه " ، فابتعد عنه ، قال : " ادنُ مني يا عمير " .. تعال .. قال : " سلِّم علينا " قال : " عمت صباحاً يا محمَّد " ، قال : " سلِّم علينا بسلام الإسلام " ، فقال عمير : " لست بعيد عهدٍ بالجاهلية " .. هذا سلامي .. فقال له النبي الكريم : " يا عُمير ما الذي جاء بك إلينا ؟ " ، قال : " جئت أفكُّ أخي من قيد الأسر " ، قال : " وهذا السيف الذي على عاتقك لماذا جئت به؟!" ، قال : " قاتلها الله من سيوف ، وهل نفعتنا يوم بدر ؟! " ، قال : " ألم تقل لصفوان : لولا ديونٌ ركبتني ، وأطفالٌ أخاف عليهم العنت لقتلت محمَّداً ، وأرحتكم منه ؟ " .

﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾
 فوقف عمير وقال : " أشهد أنَّك رسول الله ، والله الذي قلته ما علمه إلا الله وأنت رسوله " ، صار هذا دليلاً قطعيَّاً ، فصفوان امتلأ قلبه فرحاً ، لأنه بعد أيامٍ قليلة سيأتي النبأ السار ، وهو قتل محمد عليه الصلاة والسلام ، فكان يقول للناس في مكَّة : " انتظروا أخباراً سارَّةً بعد أيَّام " ، مضى يومان وأربعة ، وخمسة وستَّة ، ومضى أسبوع وآخر ، وهذه الأخبار السَّارة لم تصل إلى مكة ، فكان يخرج إلى ظاهر مكَّة ويسأل القوافل : "ماذا عندكم من أخبار ؟ وماذا حدث في المدينة ؟ " لم يحدث شيء ، " ما أخبار عمير ؟ " ، قيل له : " لقد أسلم " ..
﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾
 تتكلَّم بصوت عال ، تتكلَّم هَمساً ، تأخذ أخاً ، أو تأخذ صديقاً إلى مكان خالٍ من الناس ، تُحْكِم إغلاق الأبواب ، وتُسِرُّ له في أذنه ..
﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾
 تفكِّر في نفسك ، تضمر نيَّةً ، العلماء قالوا : " السِر ما كان بينك وبين إنسان ، والذي هو أخفى من السر ما كان بينك وبين نفسك "، وبعضهم قال : " لا ، السر ما كان بينك وبين نفسك ، وأما الأخفى فهو الذي يخفى عنك أنت " ، لا تعلمه ، لذلك قال سيدنا علي كرَّم الله وجهه : " علم ما كان ، وعلمَ ما يكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون " .
 قد يقول أحدكم : أنا بهذا الوضع مستقيم ، فلو معي ألف مليون الله أعلم ، يا ترى تبقى معنا في هذا المسجد ؟ لا نعرف ، من الذي يعرف ؟ الله عزَّ وجل ـ وعَلِمَ ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ـ ولهذا قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : " ليس في الإمكان أبدع مما كان " ، أي ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني .
 الآية الأخيرة :

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾
المنفرد بالألوهية :
 الله اسم الذات صاحب الأسماء الحسنى ..

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾
 الإله المُنْفَرِد بالتسيير ، والذي ينبغي أن تعبده وحده ، والذي يستحقُّ أن تعبده هو الله وحده ، والمنفرد بالتسيير هو الله وحده ..

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو﴾
 أي ليس في الكون من إلهٍ إلا الله ، والإله هو الذي يسيِّر ، وهو الذي يُعْبَد بالمقابل ، يُعْبَد لأنه يسير ، ولأن الأمر كلَّه بيده إذاً ينبغي أن يُعْبَد ..
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود : من آية " 123 " )
 لماذا ينبغي أن تعبده ؟ لأن الأمر كلَّه راجعٌ إليه ، وما دام الأمر راجعاً إليه في كل شيء إذاً ينبغي أن تعبده .
﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾
( سورة مريم : من آية " 65 " )
﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا(65)﴾
( سورة مريم )
 مشابهاً ، ندًّا ، كُفُؤاً ..

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾
أسماء الله كلّها حسنى :
 أسماؤه كلُّها حسنى ، وصفاته كلُّها فُضلى ، حتى ما يبدو لك ، الجبَّار ، المنتقم .. مثلاً .. المُعطي ، المانع ، هو يمنع ليُعطي ، فهناك خطاب لرسول الله عليه الصلاة والسلام يوضِّح ذلك ، قال :
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ))
( ورد في الأثر )
 إذا أخذ الله منك شيئاً ليعطيك أضعافاً مضاعفة ، يبتلي ليجزي ، ويمنع ليعطي ، الضار النافع ، يضرُّ لينفع ، فالإنسان الضال الله عزَّ وجل قد يضرُّه في صحَّته ، أو بماله ، فيتوب إليه ، فيستقيم على أمره فيسعد بقربه ، فالمعطي والمانع ، والخافض والرافع ، يخفض ليرفع ، والمعز والمذل ، يذل ليعز ، المتكبر يذلُّه الله عزَّ وجل ليخضع له ، فإذا خضع له أعزَّه ، وهكذا أسماء الله كلِّها حسنى ، وصفاته كلُّها فُضلى ، ولكن اسأل به خبيرا، وربنا عزَّ وجل قال :
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(43)﴾
( سورة النحل )
 لا تسمح لنفسك أن تفهم الاسم الإلهي لوحدك ، قد لا تفهم أبعاده ، فالعلماء قالوا : هناك أسماءٌ لله عزَّ وجل يجب أن تُذكَر مَثنى مثنى " المعطي المانع ، الضار النافع ، المعز المذل لأنه يذل ليعز ، ويمنع ليعطي، ويخفض ليرفع ، ويضر لينفع ، وقد يقهر عبده ، القهَّار ، هذا العبد متكبِّر فيقهره ليتوب ، وهكذا ..

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾
 وفي الدرس القادم إن شاء الله عزَّ وجل نبدأ بقصَّة سيدنا موسى ، وفي هذه السورة وردت بأطول روايةٍ لها ، فأطول قصَّة عن سيدنا موسى جاءت في هذه السورة ـ سورة طه ـ وسوف نستعين بالله عزَّ وجل على توضيح بعض المعاني .

والحمد لله رب العالمين


المصدر: http://www.nabulsi.com/blue/ar/te.php?art=2309
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://ari7.up-your.net/
 
موسوعة النابلسي : تفسير طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أسرار القرآن (( بحث يكشف النظام المُحكَم للعدد سبعة في القرآن الكريم ))
» تفسير سورة الشرح (ابن الكثير)
» أختي عليك بالحجاب
» ما الذي ينبغي عليك فعله عندما يسقط أو ينكسر أحد أسنانك؟
» تفسير (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ..)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الرياح الباردة :: النادي الإسلامي :: اسلاميات :: اسلاميات :: القرآن الكريم و التفسيروالرقية الشرعية-
انتقل الى: